








يعد مركز الملك عبدالعزيز التاريخي أحد أهم المعالم الحضارية والثقافية في العاصمة الرياض، وقد افتتح في الخامس من شهر شوال عام 1419 هـ بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز – رحمه الله. وقد تولت الهيئة الملكية لمدينة الرياض وضع الأسس التخطيطية والمحتوى الفكري والتصميم العمراني والمعماري لهذا الصرح الحضاري والإشراف على مراحل العمل فيه.
أنشئ مركز الملك عبدالعزيز التاريخي ليكون معلما وطنيا على مستوى المملكة العربية السعودية، يذكر بنعمة الله ومنه على هذه البلاد بالأمن والخير العميم، وليكون مركزا ثقافيا وواجهة حضارية مشرقة تعكس تاريخ جزيرة العرب، ورسالة الإسلام الخالدة، وتعرف بتاريخ المملكة العربية السعودية، والأسس التي قامت عليها، والجهود التي بذلت لبنائها، مما يكون حافزا لأبناء هذا الوطن لتجديد العزم على مواصلة مسيرة البناء التي ابتدأها الملك عبدالعزيز – رحمه الله.
يقـع مركز الملك عبدالعزيز التاريخي في حي المربع وسط مدينة الرياض، ويحتل أرضاً تبلغ مساحتها أربعمائة وأربعين ألف متر مربع، ويحده من الغرب شارع الأمير عبدالله بن جلوي بن تركي، و من الشرق شارع الملك فيصل، و من الشمال شارع الدلم، و من الجنوب حديقة الفوطة.

وقد تم تجهيز المركز بكافة المرافق والعناصر الحديثة ذات الأغراض المتعددة التي تجعل منه واحة ثقافية وسط عاصمة المملكة العربية السعودية يجد فيه الزائرون المتعة والفائدة. فهناك المنشآت الثقافية التي تتمثل في المتحف الوطني، ودارة الملك عبدالعزيز، وفرع مكتبة الملك عبدالعزيز، وقاعة الملك عبدالعزيز للمحاضرات، كما يتضمن المركز عدداً من المنشآت التاريخية، في مقدمتها قصر المربع، وعدداً من المباني القديمة التراثية التي كانت جزءاً من مجمع قصور المربع، بالإضافة إلى أجزاء من سور المجمع القديم وأحد أبراجه. ويشمل المركز كذلك مجموعة متكاملة من المرافق العامة، في مقدمتها جامع الملك عبدالعزيز ، بالإضافة إلى شبكة حديثة من الطرق، والمواقف المتعددة والممرات المرصوفة.
وقد أولى تصميم المركز اهتماماً كبيراً بالبيئة، إذ إن مساحاته الخضراء بما فيها من أصناف النباتات والأشجار المتنوعة تساهم في الحد من التلوث، وفي تنقية الهواء، وتلطيف درجات الحرارة، لتستفيد من ذلك المناطق المحيطة بالمركز.
وقد أُخذت بعين الاعتبار الأعداد الكبيرة لزائري المركز، فأُعيد تجديد الطرق المؤدية إليه والمحيطة به، وأُعيد رصف الجزء الذي يمر خلال المركز من طريق الملك سعود، بما يسمح بمرور السيارات وعبور المشاة في الوقت نفسه، ووزعت مواقف السيارات في انحاء المركز المختلفة لاستيعاب مايزيد على ألف ومائة سيارة، ظُللت بطريقة مبتكرة تسمح بنمو الأشجار التي ستحِل محل التظليل الصناعي.

ويتكون المتنزه من 6 حدائق رئيسية مسوَّرة، وحديقة مفتوحة، وميدان رئيسي متسع ومجهز، وعدد من الساحات، وواحة النخيل، بالإضافة إلى جدول مائي تتدفق المياه فيه من بئر قديمة في الموقع.
ويعتمد نظام ري الحدائق على الاستفادة من المياه الأرضية المنقاة التي تٌضَخ من طريق الملك فهد إلى خزان كبير أُنشئ تحت أرض المركز، وهو مجهز بمحطات ضخ على نحو يجعلها مناسبة لري المزروعات من نباتات وأعشاب وأشجار، حيث تمر المياه عبر شبكة من الانابيب ونظام التنقيط و الرش لتشمل مسطحات المركز الخضراء كافة.
يشتمل المركز على 6 حدائق أساسية هي الحرس واليمامة والسور والوادي والمدي والوطن، وتتراوح مساحاتها بين عشرين وثلاثين ألف متر مربع، وتشكل الجزء الأكبر من مساحة المركز، بحيث تبدو بقية المرافق كجزر طبيعية تحيط بها المسطحات الخضراء. وقد روعي عند تصميم الحدائق أن تكون مختلفة التضاريس لتكون أقرب الى البيئة الطبيعية لمنطقة الرياض ولتمكن من زيادة المساحات المزروعة ضمن هذه الحدائق.
كما أنشئت في أرض الحدائق تكوينات صخرية وأماكن مظللة للعوائل، واستخدمت الصخور والنباتات والأعشاب المحلية التي تناسب المنطقة، وخلال هذه الحدائق تمر شبكة من الممرات الممهدة التي تسمح بالانتقال عبر جنبات المركز وحدائقه.
وقد سورت الحدائق الست لتفتح في أوقات محددة، أما الحديقة الوسطى التي تقع بين المتحف الوطني ودارة الملك عبدالعزيز، والميدان الرئيسي والساحات المحيطة بالمركز تعد متاحة طوال اليوم.
يتوسط المركز ميدان رئيسي مستطيل الشكل ومرصوف بالجرانيت يسمى “ميدان المربع”، وتبلغ مساحته 20.000 م2، وقد جُهز الميدان بإضاءة كافية عبر أربعة أعمدة ضخمة ليكون مؤهلاً لاحتضان الأنشطة الاجتماعية والثقافية والاحتفالات في المناسبات الخاصة والأعياد، وليوفر أيضاً مكاناً ملائماً لإقامة الأسواق أو المعارض المؤقتة. كما يحتوي المركز على عدد من الساحات المميزة، منها: واحة النخيل وساحة الجامع وساحة المكتبة.
النخلة يضرب بها المثل في الصبر والعطاء، فكانت تعبيراً مناسباً لسنوات العطاء والكفاح التي مرت بها المملكة العربية السعودية عبر مائة عام، وتتجلى هذه المناسبة في واحة النخيل التي تمثل علامة فارقة في مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، حيث ترتفع أرض الواحة قليلاً عن بقية مكونات وعناصر المركز، وتنتصب فيها مائة نخلة ترمز إلى مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية.
أبقيت في الجزء الشمالي من ميدان المربع بئر قديمة أعيد ترميمها وضُخَّ المياه منها عبر جدول مائي يجري باتجاه الشمال ماراً عبر الحديقة الوسطى لينتهي إلى بحيرة تحوي العديد من الألعاب التعليمية والترفيهية للزوار، وكانت هذه البئر فيما مضى إحدى الآبار التي يعتمد عليها سكان قصور المربع.
أنشئ المتحف الوطني ليكون معلماً وطنياً على مستوى المملكة العربية السعودية ليساهم في إثراء مسيرة التعليم والتوعية الثقافية وتقوية أواصر الانتماء لحضارة عريقة ورسالة خالدة، ويحتل المتحف سبعة عشر ألف متر مربع من الجانب الشرقي لمركز الملك عبدالعزيز التاريخي في حين تصل المساحة الإجمالية لمبناه المكون من طابقين إلى ثمانية وعشرين ألف متر مربع.
ويوفر المتحف بيئة تعليمية حديثة لشرائح مختلفة من المجتمع، وفي مستويات متعددة، فتتنوع المعروضات في المتحف لتشمل القطع الأثرية والوثائق والمخطوطات ولوحات العرض، بالإضافة إلى استخدام وسائط العرض المتعددة وأفلام المحاكاة، فضلا عن الأفلام الوثائقية والعلمية.
ويمتاز المتحف بتكامل معروضاته في تقديم موضوع متسلسل من بداية خلق الكون إلى العصر الحديث، ويدور محوره الأساسي حول الجزيرة العربية، كما تنفرد كل قاعة من قاعات المتحف الرئيسية في تقديم عرض موضوعي مستقل ومتكامل.
ويتكون المتحف من ثماني قاعات عرض رئيسية مرتبة ضمن تسلسل تاريخي مضطرد، يصل إليها الزائر بحسب تصميم معماري يراعى ترتيبها الزمني، كما يحتوي المتحف على قاعتين للعروض المؤقتة، فضلا عن المكاتب الإدارية والمخازن والمرافق الخدمية العامة لزوار المتحف والعاملين فيه.


أنشئ في أرض المركز مبنى قطاع الآثار والمتاحف التابع لوزارة السياحة الذي يتصل بمبنى المتحف الوطني، لكنه مستقل وظيفيا عنه. وقد أنشئ المبنى على أرض مساحتها ثلاثة آلاف متر مربع، ويتكون من طابقين يختص الطابق الأرضي بأقسام الإدارة والأبحاث وخُصص الطابق الآخر لأقسام الترميم والتسجيل.

وتقع المكتبة في الجزء الجنوبي من المركز وتبلغ مساحتها الإجمالية 9,800م2، وتحتوي على قاعات لقراءة الدوريات والمراجع والكتب، وقاعة سمعية وبصرية، وقاعة المخطوطات والكتب النادرة، كما تتضمن المكتبة قاعة متعددة الأغراض تخدم الأنشطة الثقافية من محاضرات وندوات.


وقد أُعيد ترميم قصر المربع وأُصلحت الأجزاء المتداعية منه، لإعادته إلى الوضع الذي كان عليه في أواخر عهد الملك عبدالعزيز، كما تم تأثيثه بالطريقة نفسها التي كان عليها في الماضي.

كما تمت المحافظة على واحد من البيوت الطينية المتهدمة الواقعة في الجهة الشمالية من المنطقة قرب البرج الطيني حيث تمت إزالة معظم جدرانه المتهدمة، وأبقي على جدران هذا المبنى المتهدم بارتفاع يتراوح بين 20 و 100 سنتيمتر فوق سطح الأرض، ليتمكن زوار المتنزه من العبور خلاله، والتعرف على نمط البناء القديم، وتصميم الفراغات الداخلية فيه. كما توجد في الموقع أجزاء من سور مجمع المربع وأحد أبراجه، وقد كان السور من أهم عناصر البناء في مجمع قصور المربع، وبُني من الطين، ودُعم بالأخشاب والحجارة، و يصل ارتفاعه إلى سبعة أمتار. كما زود السور المنيع بأبراج مربعة الشكل، وقد اندثرت معظم مكوناته باستثناء أحد الأبراج و جزء من السور تم ترميمهما ضمن المباني التراثية في المركز.
ومن المنشآت التراثية في المركز، بيتٌ حجريٌ من دورين أنشئ في عهد الملك عبدالعزيز وسط قصر الملك عبدالعزيز الذي أنشئت مكانه مباني دارة الملك عبدالعزيز، وقد تم ترميمه وإعداده ليكون ملائماً للعروض المؤقتة.


وقد أنشئ الجامع ضمن مجمع قصور المربع، وهو مبني من اللبن كمادة أساسية، إلى جانب الأحجار المستخدمة في أساساته وفي بعض الأجزاء التي تتطلب المتانة الزائدة، كما استخدمت الأحجار المشذبة على أشكال أسطوانية في إقامة الأعمدة التي تحمل الأسقف العلوية الخشبية.
وقد أُعيد بناء الجامع على النمط الحديث في أوائل الثمانينيات من القرن الهجري الماضي. وضمن مشروع مركز الملك عبدالعزيز التاريخي جرى ترميم هذا الجامع وإعادة تأهيله بشكل كامل من الناحية المعمارية والهندسية والخدمات الكهربائية والميكانيكية، وأُضيفت مبان وحوائط حديثة حوله لإكمال مرافقه الحيوية، وتم إجراء التعديلات المناسبة عليه لينسجم مع النمط العمراني لسائر منشآت المركز الأخرى مع الاحتفاظ بالسمات المتميزة للتصميم القائم.

وقد اعتبر في تصميمه أن يتناسب مع المستوى العمراني الذي تتمتع به منشآت المركز، فالمسجد يحمل عناصر عمارة المساجد المحلية من وجود الفناء (السرحة) ودرج المئذنة، بالإضافة إلى بعض العناصر الجمالية المشابهة للحداير في العمارة المحلية. وقد أنشئ مسجد المدي بنظام الحوائط الحاملة والطوب المضغوط من التربة الطينية، حيث بني المسجد والمئذنة بالطوب المضغوط وبني السور الخارجي بالعروق الطينية المدكوكة. وتتمتع هذه التقنية بملاءمتها البيئية، خصوصا في منطقة الرياض، وانخفاض كلفة موادها، وخصائصها الفيزيائية الجيدة، من حيث مقاومتها للمياه ومحافظتها على الطاقة ومرونتها.
ويمتاز المسجد بالقباب والعقود والقبوات، وهي عناصر معمارية فرضتها تقنية بناء المسجد: الحوائط الحاملة، والطوب الجاف (المضغوط)، ويعتبر المسجد من أوائل المنشآت المعمارية في المملكة التي تبنى بهذه التقنية، وتقدر أبعاد مسجد المدي بـ 25 × 14 متراً بارتفاع 6 أمتار، كما أنه يتسع لـ(500) مصل ويبلغ ارتفاع مئذنته حوالي 18 متراً.
يقع البرج في الجزء الجنوبي الشرقي من المتنزه العام ، وتم إنشاء بحيرة في جهته الغربية لتبرز أهم معالم مناطق المملكة ويحيط بها العديد من الألعاب الترفيهية. كما تم إقامة مبان إضافية محيطة بالبرج والبحيرة لتقديم خدمات متنوعة لزوار حديقة الوطن التي تتولى تشغيلها إحدى الجهات الاستثمارية.
وقد شيد هذا البرج سنة 1391 هـ بهدف زيادة الضغط المائي في شبكة المياه العامة لسد الاحتياجات لاستهلاك الماء.
يمثل مركز الملك عبدالعزيز التاريخي قلباً حضارياً ينبض بالثقافة وسط مدينة الرياض، ينعم بمزاياه سكان المدينة جميعهم على اختلاف مستوياتهم الثقافية واختلاف أعمارهم. وقد فاز المركز الذي أنشأته الهيئة الملكية لمدينة الرياض بعدد من الجوائز العالمية التي تحظى بتقدير دولي بالغ.
الجوائز التي نالها المركز:


فاز مركز الملك عبدالعزيز التاريخي أيضا بالمركز الأول والجائزة الذهبية في جانب المشاريع العمرانية، في جائزة مؤسسة الجائزة العالمية للمجتمعات الحيوية في لندن في بريطانيا لعام 2007م.
وتمنح الجائزة من قبل مؤسسة الجائزة العالمية للمجتمعات الحيوية، وهي مؤسسة غير ربحية تأسست عام 1997م وتتخذ من مدينة لندن في المملكة المتحدة مقراً لها، وتعمل برعاية برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP، وتترشح للجائزة المشاريع المنجزة أو التي قيد الإنجاز التابعة للقطاعين العام والخاص.

ويعتبر مسجد المدي الذي يقع على طريق الملك فيصل في الجزء الشرقي من مركز الملك عبدالعزيز التاريخي في حي المربع وسط مدينة الرياض، من أوائل المنشآت المعمارية في المملكة التي يتم فيها تطبيق التقنيات الحديثة في أساليب البناء باستخدام مواد طينية محلية (الطين المضغوط)، إذ يأتي استخدام الهيئة لهذه التقنية في بناء هذا المسجد في معرض اهتمام الهيئة بالإفادة من التقنيات التي تيسر الاستفادة من المواد المحلية في البناء مع تطوير طريقة تصنيعها، بخاصة أنها أثبتت جدواها الاقتصادية ومرونتها التنفيذية وكفاءتها التشغيلية بما يعود بالنفع على قطاع الإنشاءات والعمران، ويسهم في دعم مسيرة التطوير الحضري لمدينة الرياض.